طالما سوّق أنصار التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي بأن الاتفاقات الرسمية مع المحتل الغاشم، ستعود بفائدة واسعة على اقتصاديات الدول العربية .
بيد أنّ الوقائع على الأرض وفي جرد موضوعي لحصيلة تطبيع وصل إلى عقود من الزمن بين مصر والأردن و”إسرائيل” أو مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بعد عام من إقراره، تبيّن للملاحظ أن العرب هم أكبر الخاسرين اقتصاديا من العلاقات مع الإسرائيليين.
1/ الأردن يصر على مزيد من الخسائر الاقتصادية مع “إسرائيل”
وقع وزير الزراعة الإسرائيلي عوديد فورير ونظيره الأردني خالد الحنيفات، الثلاثاء، اتفاقا يقضي بتوريد منتجات زراعية أردنية إلى الاحتلال الإسرائيلي لمدة عام حيث يحجم فيه اليهود المتدينون على الحرث والزراعة.
وتعكس مدة الصفقة الانتهازية الإسرائيلية في التعاطي مع الشأن الاقتصادي الأردني ماكانت عليه الأمور منذ توقيع التطبيع المخزي بين الطرفين عام 1994.
فقط حصر الإسرائيليون على مدى 25 سنة تعاونهم الاقتصادي مع الأردن في ملف اسيتراد الغاز الطبيعي الذي ترغب جهات أردنية عدّة في إيقافه.
بينما تكبّد القطاع الفلاحي الأردني خسائر بالجملة نتيجة استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على مصادر المياه ما جعل الفلاح الأردني يتخبط في دائرة الأزمات المالية والعجز عن تطوير الإنتاج الوطني الفلاحي.
2/ مصر الخاسر الأكبر من التطبيع
دخل التطبيع المصري الإسرائيلي عامه الـ43 إذ تم توقيع اتفاق التطبيع عام 1979 برعاية أمريكية.
ورغم طول فترة التطبيع بين الجانبين إلا أن الملف الاقتصادي بقي هاشميا مقارنة بالملفات الأمنية والسياسية, فقد شهد العام 2005 الحدث الاتفاقي الأبرز بين القاهرة وتل أبيب بتوقيع اتفاق تصدير الغاز إلى “إسرائيل”.
وتُعتبر الصفقة “ضربة العمر” كما يوصف للاحتلال الإسرائيلي حيث نصّت على تأمين حاجياتها من الغاز الطبيعي المصري بأسعار زهيدة تراوحت بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر الكلفة آنذاك إلى 2.65 دولار.
لكن هذه الوضعية سرعان ما تغيرت حيث أصبحت القاهرة هي من تستورد الغاز الإسرائيلي وتضخ حوالي 20 مليار دولار سنويا في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي.
أما بخصوص الجوانب التجارية فتميل كفة الميزان التجاري بين مصر و”إسرائيل” لصالح الأخيرة، حيث تعاني مصر من عجز تجاري مع الاحتلال يقدر ب60 مليون دولار، مع تراجع حاد في نسب السياح الإسرائيليين المتوافدين على المدن المصرية ما أدى إلى تراجع مقدرات مصر من العملة الصعبة.
3/ الإمارات ووهم المكاسب الاقتصادية من التطبيع
على عكس الأردن ومصر فإن التطبيع الإماراتي والبحريني مع الاحتلال الإسرائيلي الذي شارف على إغلاق عامه الأول , شهد منذ أيامه الأولى توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية متعددة جعلت الإماراتيين على وجه الخصوص، يتبجحون بنجاعة خطوتهن في خيانة الحق الفلسطيني.
لكن زمع مرور الأيّام، تأكّد للمراقبين أن مكاسب الإمارات الاقتصادية من التطبيع لا تزال محدودة وعكس تطلعات حكام أبوظبي.
فقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدين تجميد “صندوق أبراهام للاستثمار” بقيمة 3 مليار دولار والذي وقع عليه كل من الإمارات و”إسرائيل” والولايات المتحدة.
الأمر الذي أسفر عن تعطيل 12 مشروعا اقتصاديا كان من المرجح تمويلهم من الصندوق في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا النقدية والصحة والطاقة.
كما شهد صندوق الاستثمار في “إسرائيل” الذي أقره ولي العهد محمد بن زايد بقيمة 10 مليار دولار تعطيلات بالجملة حالت دون تفعيله واقعيا.
4/ “إسرائيل” الرابح الأكبر وفلسطين المتضرر الأول
صبّت مجمل فوائد التطبيع الاقتصادي بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي في خانة الإسرائيليين الذين تمكنوا من فتح أسواق تصديرية جديدة وتأمين حاجياتهم خصوصا الطاقية مع تكلفة مالية أقل بكثير من عديد الخيارات الأخرى المطروحة أمامهم.
كما نجح الإسرائيليون في رهن بعض الاقتصاديات العربية من خلال نفوذهم الواسع في الدوائر المالية العالمية ما ساعدهم على ابتزاز هذه الأنظمة في علاقة بحقوق الشعب الفلسطيني الذي كان الخاسر الأكبر من اتفاقات اقتصادية لم تفد العرب وهمشت مصالح الفلسطينيين.