لعل تحطيم القانون والعدالة الدوليين يعتبر من أبرز نتائج “التطبيع” العربي الإسرائيلي، الأمر الذي لن يؤثر على وضع الفلسطينيين فحسب، بل ستكون له تبعات على منطقة الشرق الأوسط بأكملها. قد يخلق التطبيع على المدى القصير وهما خاطئا بالتوازن الإقليمي، ولكن على المدى المتوسط، سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار مع تداعيات خارج المنطقة، بما في ذلك أوروبا.
من المؤكد أن الفلسطينيين سيعانون بشكل مباشر وعميق من اتفاقيات السلام التي وقعتها الإمارات العربية المتحدة والبحرين. مع العلم أن هاتان الدولتان لا يعتبران أبطال العالم في مسائل متعلقة بحقوق الإنسان، بل إنهما يزعزعان بلا هوادة استقرار المنطقة في حربهما ضد الإسلام السياسي، مهما كان معتدلا. ولعل “إسرائيل” أيضا لا تتخلف عن الركب بشأن هذه المسألة.
صحيح أن “إسرائيل” تحافظ على هيكل ديمقراطي وأن استطلاعات الرأي تحدد من يحكم البلاد. في المقابل، تسمح “إسرائيل” لنفسها بإبرام المعاهدات والاتفاقيات لفرض فصل عنصري واضح في الأراضي المحتلة بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة واللامبالاة الأوروبية المستمرة.
في هذا الإطار، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الرئيس محمود عباس كان ينبغي أن يستقيل منذ سنوات عديدة. منذ وفاة ياسر عرفات قبل خمسة عقود، سمح عباس ل”إسرائيل” بالتلاعب بالفلسطينيين بدلا من جعل الدولة اليهودية مسؤولة عن قضية الاحتلال. بالنسبة ل”إسرائيل”، يُعد هذا الوضع مريحا للغاية حيث يدير عباس الاحتلال ويسمح بمواصلة توسيع استعمار الأراضي الفلسطينية.
في الحقيقة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نبرر استمرار عباس في منصب الرئيس بشكل وهمي ومواصلة خداعه لشعبه سنة بعد أخرى. خاصة حين يتضح أن عباس قاد الفلسطينيين إلى طريق مسدود من خلال الوعد بحل الدولتين، الأمر الذي صدقه هو وأربعة مسؤولين فقط من بروكسل الذين يتعاونون مع “إسرائيل” بقدر ما يتعاون عباس نفسه مع قدرته الهائلة على كتابة بلاغات سخيفة وغير مجدية.
بات من المؤكد أن تطبيع الإمارات والبحرين مع “إسرائيل” سيتبعه عاجلا وليس آجلا تطبيع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، إنه أمر لا مفر منه في السياق الدولي الحالي. على الأرجح، يعمل الرئيس دونالد ترامب على ترك مسألة تطبيع المملكة العربية السعودية مع “إسرائيل” إلى وقت لاحق باعتباره انقلابا آخر قبل الانتخابات المقرر تنظيمها في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.